بعد أن حملت مريم ، وبدأ الحمل يظهر عليها، خرجت من محرابها في بيت المقدس إلى مكان تتوارى فيه عن أعين الناس حتى لا تلفت الأنظار فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّاسورة مريم، الآية 22). فجاءها المخاض إلى جذع النخلة وهي وحيدة، فتضع حملها ولا أحد إلى جانبها يعتني بها ويواسيها وقد اجتمعت كل هذه الهموم والمصاعب على السيدة مريم، وهي من هي في عالم الايمان والتقوى، حتى وصل الأمر بها إلى أن تتمنّى الموت كما أشار القرآن الكريم: فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (سورة مريم، الآية 23). الله سبحانه وتعالى لا يترك من آمن ولجاء اليه خاصة سيدتنا مريم التي اصطفاها الله عز وجل بهذه المعجزة.فأنطق الله وليدها وكان أول مانطق به عيسى بأن تنظر تحتها فتجد عين ماء جارية. .فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا (سورة مريم، الآية 24) وأن تنظر لأعلى فتجد في النخل رُطباً وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا -(سورة مريم، الآية 25) وهذه من المعجزات فهذا جدول ماء رقراق يفجّره الله لها، وها هي، وهي ضعيفة من آثار الولادة، تستطيع أن تهزّ جذع النخلة فيتساقط عليها الرطب جنياَ.
فال تعالى: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آَيَةً لِلْعَالَمِينَ ] (سورة الأنبياء، الآية 91) في سورة الأنبياء لم يذكر اسم مريم بينما ذكره في سورة التحريم وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ 13] (سورة التحريم، الآية 12). والسبب في ذلك هو أن السياق في سورة الأنبياء كان في ذكر الأنبياء ( إبراهيم، لوط، موسى، وزكريا ويحيى ) ثم قال (والتي أحصنت فرجها) دون أن يُصرّح باسمها ، لأن السياق في ذكر الأنبياء وهي ليست نبيّة ، أما في سورة التحريم فذكر اسمها لأن السياق كان في ذكر النساء ومنهم ( امرأة فرعون ، امرأة لوط وامرأة نوح ) فناسب ذكر اسمها حيث ذكر النساء. والتصريح بالاسم يكون للمدح إذا كان في المدح وللذمّ إذا كان في الذّم. ونلاحظ في سورة التحريم أنها من أعلى المذكورات في سياق النساء ، ولهذا ذكر اسمها من باب المدح. أما في سورة الأنبياء فهي أقلّ المذكورين في السورة منزلة ، أي الأنبياء ، فلم يذكر اسمها.....ونسأل أيهما أخصّ في التعبير ( ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها ) فى سورة التحريم أو ( والتي أحصنت فرجها ) فى سورة الأنبياء ؟. فنقول أن الأخصّ ( مريم ابنت عمران ) ، وقوله تعالى (ونفخنا فيها من روحنا) فى الأنبياء أعمّ من ( نفخنا فيه ) وأمدح. إذن مريم ابنت عمران أخصّ من التي أحصنت فرجها فذكر الأخصّ مع الأخصّ (فنفخنا فيه) وجعل العام مع العام (ونفخنا فيها ).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان الحمل والولادة في ساعة واحدة، وقيل: في تسعة أشهر، وقيل ثمانية أشهر، وقيل: ستة أشهر، وقال مقاتل: حملته مريم في ساعة، وصور في ساعة، ووضعته في ساعة، وعمرها إذ ذاك عشر سنين، ولما ولدته حملته في الحال إلى قومها فأنكروا عليها. وذلك قوله تعال: (يا أختَ هارونَ ما كانَ أبوكِ امرأ سوءٍ وما كانت أمُّكِ بغيَّاً) فلما سمعت إنكارهم وقولهم (فأشارتْ إليهِ) أي كلموه (قالوا كيفَ نكلِّمُ من كان في المهد صبياً) فقال له زكريا عليه السلام: أنطق بحجتك إن كنت أمرت بها. وقيل لماسمع عيسى عليه اليلام كلامهم وإنكارهم اتكأ على يساره، وترك الرضاع وأقبل عليهم يشير بيمينه (قال إنِّي عبدُ اللهِ آتانيَ الكتابَ وجعلني نبيّاً، وجعلني مباركاً أينَ ما كنتُ وأوصاني بالصلواتِ والزَّكوة ما دمتُ حياً، وبراً بوالدتي ولم يجعلني جبّاراً شقياً، والسَّلام عليَّ يومَ ولدتُ ويوم أموتُ ويومَ أبعثُ حيَّا) فلما كلمهم صدقوا وعلموا براءة مريم، عليها السلام. ثم سكت عيسى بعد ذلك فلم يتكلم حتى بلغ المدة التي يتكلم فيها الصبيان[14].
وذكر في كتاب "كشف الأسرار": أن أسماء عيسى عليه السلام أربعة: عيسى، وكلمة،