رفع تعيين ليلة القدر
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكفتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم العشر الأوسط من رمضان، فخرج صبيحة عشرين فخطَبنا، وقال: ((إني رأيتُ ليلة القدر ثم أُنسيتها - أو نُسِّيتها - فالتمسوها في العشر الأواخر في الوتر، وإني رأيت أني أسجد في ماء وطين، فمن كان اعتكف معي فليَرجِع))، فرجعْنا، وما نرى في السماء قزعة، فجاءت سحابةٌ فمطرت حتى سال سقف المسجد، وكان من جريد النخل، وأقيمَت الصلاة، فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسجد في الماء والطين، حتى رأيت أثر الطين في جبهته[1].
قال بدر الدين العيني عند قوله: ((نُسِّيتها)): "والمعنى أنه أنسي علم تعيينها في تلك السنَة، وقال الكرماني: فإن قلت: إذا جاز النسيان في هذه المسألة جاز في غيرها، فيفوت منه التبليغ إلى الأمة، قلتُ: نسيان الأحكام التي يجب عليه التبليغ لها لا يجوز، ولو جاز ووقع لذكَّره الله تعالى"[2].
سبب رفع تعيين ليلة القدر:
1 - تلاحي اثنين من الصحابة[3]: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمين، فقال: ((خرجتُ لأخبركم بليلة القدر، فتلاحى فلان وفلان فَرُفِعَتْ، وعسى أن يكون خيرًا لكم، فالتمِسوها في التاسعة والسابعة والخامسة))[4].
2 - إيقاظ أهل النبي صلى الله عليه وسلم له؛ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((أُرِيتُ ليلة القدر، ثم أيقظني بعضُ أهلي فنسيتُها، فالتمسوها في العشر الغوابر))[5]، [6]، قال الحافظ ابن حجر: "وفي رواية أبي نضرة عن أبي سعيد عند مسلم: ((فجاء رجلان يَختصمان، معهما الشيطان))[7] - إلى أن قال -: وروى مسلم أيضًا عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أُرِيتُ ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتُها))، وهذا سبب آخر، فإما أن يُحمل على التعدد بأن تكون الرؤيا في حديث أبي هريرة منامًا، فيكون سببُ النسيان: الإيقاظ، وأن تكون الرؤية في حديث غيره في اليقظة، فيكون سبب النسيان: ما ذُكر من المخاصمة، أو يُحمل على اتحاد القصة، ويكون النسيان وقع مرتين عن سببين، ويُحتمل أن يكون المعنى: أيقظني بعض أهلي فسمعتُ تلاحي الرجلين، فقمتُ لأحجز بينهما فنسيتها للاشتغال بهما.
وقد روى عبدالرزاق من مرسل سعيد بن المسيب أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((ألا أُخبركم بليلة القدر؟ قالوا: بلى، فسكت ساعة، ثم قال: لقد قلت لكم وأنا أعلمها، ثم أُنسيتها))[8]، فلم يذكر سبب النسيان، وهو مما يقوِّي الحمل على التعدد[9].
[1] رواه البخاري (2 / 62 - 63) كتاب: فضل ليلة القدر، باب التماس ليلة القدر رقم: (2016).
[2] عمدة القاري (11 / 133) باختصار.
[3] التلاحي: المنازعة والمشاتمة، قال ابن منظور: تلاحى الرجلان تشاتَما؛ انظر: لسان العرب (12 / 259 - مادة لحا).
[4] رواه البخاري (2 / 64)كتاب: فضل ليلة القدر، باب: رفع معرفة ليلة القدر لتلاحي الناس، رقم (2023) مادة: لحا.
[5] قال ابن الأثير في النهاية (3 / 337): "أي البواقي".
[6] رواه مسلم (2 / 824) كتاب الصيام باب فضل ليلة القدر رقم (1166).
[7] رواه مسلم (2 / 827) كتاب الصيام باب فضل ليلة القدر رقم (1167).
[8] مصنف عبدالرزاق (4 / 249).
[9] فتح الباري (4 / 315).
المصدر
الالوكة
|