السؤال
هل هناك دليل من السنة على أن الماء المقري فيه رُقية يُفيد ؟
الجواب :
الرُّقَى بابها واسع ما لم تتضمن محذورًا .
ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك الأشجعي قال : كنا نَرقي في الجاهلية فقلنا : يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعْرِضُوا عليّ رُقاكم ، لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شِرْك .
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقرّ رُقَى الصحابة التي كانوا يَرقُون بها في الجاهلية ما لم تتضمن محذورا ، ما لم يكن بها شِرك .
وقد وضع النبي صلى الله عليه وسلم لذلك قاعدة عامة بقوله : " لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شِرْك " .
واستعمال الماء في الرقية وارد في عمل السلف من غير نكير . ومن هنا فقد رخّص جماعة من السلف في قراءة القرآن على ما يُشرب .
قال الإمام البغوي في شرح السنة : ورُوي عن عائشة أنها كانت لا تَرى بأسا أن يُعوذ في الماء ، ثم يُعالَج به المريض . وقال مجاهد : لا بأس أن يَكتب القرآن ويغسله ، ويسقيه المريض ، ومثله عن أبي قلابة .
وكرهه النخعي ، وابن سيرين .
ورُوي عن ابن عباس أنه أمَر أن يُكتب لامرأة تعسر عليها ولادتها ، آيتين من القرآن وكلمات ، ثم يُغسل وتُسقى . وقال أيوب : رأيت أبا قلابة كَتب كِتابا مِن القرآن ، ثم غَسله بماء ، وسَقاه رجلا كان به
وجع ، يعني : الجنون .
وقال ابن القيم : ورأى جماعة من السَّلَف أن تُكتب له الآياتُ مِن القرآن ، ثم يشربَها. قال مجاهد : لا بأس أن يكتُبَ القرآنَ ، ويغسِلَه ، وَيْسقِيَه المريضَ ، ومثلُه عن أبى قِلابَةَ .
ويُذْكَر عن ابن عباس : أنه أمَر أن يُكَتبَ لامرأة تَعَسَّرَ عليها وِلادُها أثرٌ من القرآن ، ثم يُغسل وتُسقى . وقال أيوب: رأيتُ أبا قِلابَةَ كتب كتابا من القرآن ، ثم غسله بماء ، وسَقاه رَجلاً كان به وجع .
ونقل ابن القيم عن المروزي قال : بلغ أبا عبد الله [ يعني أحمد بن حنبل ] أنى حممت فكتب لي من الحمى رقعة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم باسم الله وبالله ، ومحمد رسول الله (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ ) اللهم رب جبرئيل ومكائيل وإسرافيل أشف صاحب هذا الكتاب بحولك وقوتك وجبروتك إله الخلق . آمين .
وقال [ يعني أحمد بن حنبل] في رواية عبد الله : يُكتب للمرأة إذا عسر عليها الولادة في جام أو شيء نظيف : لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم ( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا ) (كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ) ثم تُسقي ويُنْضَح بما بَقِي دون سُرّتها .
ونَقَل عن الخلال عن أبي بكر المروزي أن أبا عبد الله جاءه رجل فقال : يا أبا عبد الله تكتب لامرأة قد عسر عليها ولدها منذ يومين ؟ فقال : قل له يجيء بجام واسع وزعفران ، ورأيته يكتب لغير واحد .
قال ابن القيم : ورخّص جماعة من السلف في كتابه بعض القرآن وشربه ، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه .ثم قال : كتاب آخر لذلك [ أي للولادة ] : يُكتب في إناء نظيف ( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ (1) وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ (2) وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ (3) وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ ) وتشرب منه الحامل ، ويُرشّ على بطنها . اهـ .
ثم قال : كتاب للرعاف : كان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله يكتب على جبهته ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ) وسمعته يقول : كتبتها لغير واحد فبرأ ، فقال : ولا يجوز كتبتها بدم الرّاعف كما يَفعله الجهال . انتهى ما نقلته عن ابن القيم رحمه الله .
وكان الشيخ العثيمين - رحمه الله - يرى أن ما ثبت بالتجربة في الرقية لا بأس به استناداً إلى فعل الصحابة في هذا الحديث ، وإقرار النبي صلى الله عليه على آله وسلم لهم .
ومن زعم أن النفث في الماء لا يُفيد ، فماذا عساه أن يقول عن تأثير أثر العائن ؟
فإن من السنة أن يُؤخذ من العائن شيئا ، ويُؤمَر العائن أن يغسل بعض أطرافه ، فينفع ذلك من أصابته عينه – بإذن الله - .
ففي المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لِعَامر بن ربيعة رضي الله عنه اغْتَسِل له ، فَغَسَل وجهه ويديه ، ومرفقيه وركبتيه ، وأطراف رجليه ، ودَاخِلَةَ إزارِه في قدح ، ثم صُبّ ذلك الماء على سهبل بن حُنيف ، يَصبُّه رجل على رأسه وظهره من خلفه ، ثم يُكفئ القدح وراءه ، ففعل به ذلك ، فراح سهل مع الناس ليس به بأس .
فإذا كان هذا أثر إنسان ، نفع بإذن الله في شفاء المعيون ، فما بالك بأثر كلام الله ، إذا قُرئ على الماء أو على عسل أو زيت ؟ وكيف إذا انضاف إلى ذلك كون الماء ماء زمزم ، أو كان الزيت من زيت الزيتون المبارك ، أو من العسل الْحُرّ ؟
ومثل هذا قراءة القرآن في زوايا البيوت .
فقد جاء عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أنه إذا دخل بيته قرأ آية الكرسي في زوايا بيته الأربع . قال القرطبي : معناه كأنه يلتمس بذلك أن تكون له حارسا مِن جوانبه الأربع ، وأن تَنْفِي عنه الشيطان مِن زَوايا بَيته .
وهذا الذي ذَكَره عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه رواه ابن أبي شيبة من طريق عُبيد بن عمير قال : كان عبد الرحمن بن عوف إذا دخل مَنْزِله قرأ في زواياه آية الكرسي . وفِعْل الصحابي حُجَّة على الصحيح . فلا يَصِحّ اعتبار هذا مِن البِدَع .
والله تعالى أعلم .
الشيخ السحيم حفظه الله
|