في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المبارك عام 1356هـ ، الموافق الثاني والعشرون من نوفمبر للعام الميلادي 1937 ، استشهد أبرز أبطال الكفاح الشعبي الفلسطيني المسلح ، فرحان السعدي ، عُرف بالشيخ لما تحلى به من استقامة خلق وتقوى وورع وشجاعة وإيمان .
وقد ولد الشيخ فرحان السعدي في قرية المزار من أعمال قضاء جنين في لواء نابلس في منتصف القرن التاسع عشر ، وتلقى علومه في كُتّاب القرية ومدرسة جنين الابتدائية ، إلا أنه كان مولعاً في شبابه بتلقي الدروس الدينية في المساجد ، والاجتماع مع العلماء ورجال الدين ، فأضفت عليه نشأته الدينية والعلمية مهابة واحتراماً في بيئته ، ولما احتلَّ الإنجليز فلسطين كان يُعرف بين الناس بالشيخ فرحان .
شارك الشيخ فرحان في المؤتمرات الوطنية وفي المظاهرات ضدَّ السلطة بصورة متواصلة ، وفي ثورة 1929م ألّف عصبة من المجاهدين في قضاء جنين تصدت للحكام بالتمرد والعصيان ، فقبضت عليه السلطة وسجنته ثلاثة أعوام في سجن عكا وسجن نور شمس ، ولما خرج من السجن انتقل إلى حيفا ، وهناك اتصل بالشيخ عز الدين القسام وانضم تحت لوائه .
وفي 17 إبريل 1936م هاجم الشيخ فرحان السعدي ورفيقه الشيخ عطية أبو أحمد قافلة يهودية ، ثم انتقل بعد هذه الحادثة التي أدت إلى ثورة 1936م مع رفاقه إلى الجبال ، معتصمين بوعورها وكهوفها يناضلون طوال المرحلة الأولى .
ومنذ مقتل أندروز الحاكم البريطاني العسكري لمنطقة الخليل ، بثَّت السلطة عيونها تتعقب القساميين حتى تمكنت من القبض على الشيخ فرحان وثلاثة آخرين من رفاقه .
ولما كانت السلطة تعلم أن الشيخ هو العقل الأول في العصبة بعد استشهاد القسام ، فقد حاكمته محاكمة صورية في ثلاث ساعات موجِّهة إليه تهمة مقتل (أندروز) ، وأصدرت حكمها بعدها بالإعدام شنقاً .
رفض السعدي أن يتكلم في أثناء المحاكمة مدافعاً عن نفسه ، فكان هادئاً وكانت كلماته قليلة جداً وجريئة ، وعندما سألوه : أأنت مذنب ؟ أجاب : (معاذ الله أن أكون مذنباً) ، وعندما سألوه في أثناء مفاجَأتِهِ في مخبئه والقبض عليه إنْ كان يملك أسلحة ، أجاب بنعم ، وبأنه يملك مسدساً قديماً معلقاً على الحائط في بيته .
تبرع للدفاع عن السعدي عددٌ من المحامين ، وكانت حجتهم في الدفاع عنه أنه لم يقبض عليه وهو يستعمل السلاح ، وأنه قد ذكر من تلقاء نفسه بأنه يملك مسدساً ، كما أنه أكبر عمراً من أن يتمكن من القيام بأي عمل حربي ، إلاَّ أن المحكمة العسكرية - التي تألفت قبل 80 عاماً - لم تأخذ بأي من هذه الحجج ولم تستمع إلى النداءات الصادرة من فلسطين ومن خارجها بتخفيف حكم الإعدام ، فقد قررت الحكم ونفّذته في 22 نوفمبر 1937م ، ولم تبالِ بكون الشيخ السجين صائماً في شهر رمضان ، فنُفِّذ فيه الحكم في الحادي والعشرين من شهر رمضان من عام 1356هـ ، إلا أن النتيجة جاءت على عكس ما توخّته الحكومة ، إذ لم يحدث في تاريخ البلاد أن أُعدم شيخ في مثل عمره ، وفي شهر رمضان المبارك .
|